فضل الدعاء
لقد ورد في فصل الدعاء وأهميته آيات كريمة وأحاديث نبوية كثيرة، فمن فضائله العظيمة التي دلَّ عليها الكتاب والسنة:
1- أن الله تعالى أثنى على أنبيائه به، فقال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِى ٱلْخَيْرٰتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُواْ لَنَا خـٰشِعِينَ} [الأنبياء:90]، فأثنى سبحانه عليهم بهذه الأوصاف الثلاثة: المسارعة في الخيرات، ودعاؤه رغبة ورهبة، والخشوع له، وبيَّن أنها هي السبب في تمكينهم ونصرتهم وإظهارهم على أعدائهم، ولو كان شيء أبلغ في الثناء عليهم من هذه الأوصاف لذكره سبحانه وتعالى.
2- أنَّه سنَّة الأنبياء والمرسلين، ودأب الأولياء والصالحين، ووظيفة المؤمنين المتواضعين، قال تعالى: {أُولَـئِكَ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبّهِمُ ٱلْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَـٰفُونَ عَذَابَهُ} [الإسراء: 57]، وقال سبحانه: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـئَايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكّرُواْ بِهَا خَرُّواْ سُجَّداً وَسَبَّحُواْ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ} [السجدة:16-17]، وهو صفة من صفات عباد الرحمن، قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً} إلى قوله: {وَٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوٰجِنَا وَذُرّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَٱجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:65-77]، وهو ميزة أولي الألباب، قال تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَٱخْتِلَـٰفِ ٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ لاَيَـٰتٍ لأوْلِى ٱلألْبَـٰبِ * ٱلَّذِينَ يَذْكُرُونَ ٱللَّهَ قِيَـٰماً وَقُعُوداً وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَـٰطِلاً سُبْحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} إلى قوله تعالى: {فَٱسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنّى لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ} [آل عمران:190-195].
3- أنه شأن من شؤون الملائكة الكرام، قال تعالى: {وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِى ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ} [الشورى:5]، وقال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَحْمِلُونَ ٱلْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبّحُونَ بِحَمْدِ رَبّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ رَبَّنَا وَسِعْتَ كُـلَّ شَىْء رَّحْمَةً وَعِلْماً فَٱغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَٱتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّـٰتِ عَدْنٍ ٱلَّتِى وَعَدْتَّهُمْ وَمَن صَـلَحَ مِنْ ءابَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّـٰتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ * وَقِهِمُ ٱلسَّيّئَـٰتِ وَمَن تَقِ ٱلسَّيّئَـٰتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ} [غافر:7-9].
4- أنه من أفضل العبادات، قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دٰخِرِينَ} [غافر:60]، وعن النعمان بن بشير قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((الدعاء هو العبادة))، ثم قرأ: {وَقَالَ رَبُّكُـمْ ٱدْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ...} - أخرجه أحمد (4/267)، والترمذي (2969)، وأبو داود (1479)، وابن ماجه (3829)، وقال الترمذي: "حسن صحيح"، وصححه ابن حبان (890) والحاكم (1/490، 491)، ووافقه الذهبي، وهو في صحيح الجامع (3407).
قال الخطابي: "معناه أنه معظم العبادة، وأفضل العبادة، كقولهم: الناس بنو تميم، والمال الإبل، يريدون أنهم أفضل الناس أو أكثرهم عددا أو ما أشبه ذلك، وأن الإبل أفضل أنواع الأموال وأنبلها" - شأن الدعاء (ص5).
قال المباركفوري: "أي هو العبادة الحقيقية التي تستأهل أن تسمى عبادة؛ لدلالته على الإقبال على الله, والإعراض عما سواه، بحيث لا يرجو ولا يخاف إلا إياه" - تحفة الأحوذي (8/247).
5- أن الله تعالى سماه دينا فقال سبحانه: {فَـٱدْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ} [الأعراف:29].
6- أنه أكرم شيء على الله تعالى، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء)) - أخرجه أحمد (2/362)، والترمذي (3370)، وابن ماجه (3829)، وقال الترمذي: حسن غريب، وصححه ابن حبان (870)، والحاكم (1/490)، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد(549).
اللهم اجعنا من المقبولين واغفر لنا وارحمنا وانت خير الرحمين يا رب
تحياتى اخوكم العمده